نظرة سريعة في كتاب الله تعالى تجد آيات ترغب في الجنة وتتحدث عن نعيمها وأنواع لذاتها.. وبعد هذه الآيات تقع عيناك على الكلام عن النار وأهوالها وشدة عذابها.
إنه التوازن في قيادة النفس وسياستها في السير إلى الله تعالى ترغيب وترهيب نعم.. ترغيب في الجنان والثواب الذي أعده الله لعباده الصادقين، وترهيب مما أعده الله لمن عصاه وأعرض عنه.
ونظرة أخرى إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم فسنجد مثل ذلك ترغيب وترهيب وحينها سنرسم منهجاً في الخطاب الدعوي ترغيب وترهيب وسوف نجد التوفيق من الله تعالى، لأننا سرنا على منهج الكتاب والسنة.
وعندي إشارات حول ذلك:
1= بعض الدعاة لا يتحدث إلا عن الجنة ونعيمها ولم يسبق له أن تحدث عن النار وأهوالها، وكأنه يعتقد أن في ذلك تنفيراً للناس عن طريق الخير، أو أن ذلك مانع لهم من سلوك طريق الهداية، ولا شك أن هذا خلل ونقص في مفهوم الدعوة إذ كيف يكون تطبيق الكتاب والسنة تنفيراً للناس؟!.
2= لابد من الحكمة في إختيار عنوان الكلمة مع الناس ومراعاة الحال الذي يعيشه الناس {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269].
فلا يناسب أن نتحدث عن النار في الوقت الذي نجد فيه الناس عندهم إقبال على التوبة والعمل الصالح، بل هؤلاء بحاجة إلى إيقاد شمعة الحماس عندهم بذكر الجنة ونعيمها، وأما إن رأيت غافلاً بعيداً عن الله متكبراً على الدين فهنا يناسب تخويفه بالنار وعذابها لتنكسر نفسه وليعرف قيمة نفسه، فلماذا يتكبر؟!.
3= يتساهل بعض الدعاة بالإستدلال بأحاديث موضوعة أو ضعيفة في باب الترغيب والترهيب بحجة أن بعض العلماء يتساهل في مسألة الإستدلال بالضعيف في فضائل الأعمال.
وهذا وإن كان رأياً مشهوراً عند بعض العلماء إلا أن هؤلاء العلماء وغيرهم وضعوا شروطاً قوية لأجل الإستدلال بذلك، وعند التحقيق والتدقيق تكاد تجزم بأن هذه الشروط لم تنطبق على كثير من هذه الأحاديث.
وعلى كل حال.. فما أجمل أن نستغني بالصحيح عن الضعيف، وكما قال ابن المبارك: في صحيح الحديث شغل عن سقيمه.
4= بعض الوعاظ يبالغ في الإستشهاد بمواقف عن السلف حتى يصل به الحال إلى ذكر قصص أشبه بالخيال، ولو سمعها العامة لردوها ولن يقبلوا موعظته، ونحن مطالبون بأن لا نحدث الناس بما لا تبلغه عقولهم وإلا كان لبعضهم فتنة كما قال ابن مسعود.
5= بعض الدعاة قد يغفل عن أسلوب الوعظ ويهتم بالقضايا التربوية والتوجيهات العامة، ولا شك أن هذا خلل في المنهج الدعوي، فقدوتنا هو الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالوعظ وجاء بالعلم وجاء بالتوجيهات العامة.
6= نحتاج إلى ذلك العالم الشمولي الذي يعظ ويعلم ويربي ويرشد ويشرح المتون ويفتي و... وهكذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم.
7= قد نجد بعضاً من شباب الصحوة ينتقد المواعظ ويزعم أننا بحاجة إلى التأصيل العلمي وسرد الدروس العلمية، وأن المواعظ طريقة قديمة وفائدتها قليلة.
ولا ريب أن هذا المفهوم يدل على جهل صاحبه، وهذا كتاب الله بين أيدينا فيه المواعظ والقصص والأحكام والآداب، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بكل وسائل التعليم والوعظ والتوجيه، وهذا لا يعني أن نهمل الجوانب العلمية وإقامة الدروس والدورات.
8= وهناك من يعيب على بعض الوعاظ ويحتقر عمله، بحجة أن هذا الواعظ ليس له دروس في شرح المتون أو القضايا العلمية.
والجواب عن هذا: أن الإسلام يحتاج إلى جميع الجهود، فهذا بموعظته، وهذا بحلقات التحفيظ، وهذا بخطابة الجمعة، وهذا بشرح المتون.. فالكل يخدم هذا الدين، فلا يجوز إحتقار جهود الآخرين بل يحب الإشادة بها وذكرهم بالجميل والدعاء لهم بظهر الغيب.
المصدر: موقع الشيخ سلطان العمري.